
تعتبر قوة الجنيه المصري أو ضعفه من المواضيع الحيوية التي تثير اهتمام الكثيرين فبينما يرى البعض أن الجنيه القوي يعزز من الاستقرار الاقتصادي ويجذب الاستثمارات الأجنبية فإن آخرين يرون أن الجنيه الضعيف يمكن أن يساعد في تعزيز الصادرات وزيادة تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية لذا فإن السؤال حول أيهما أفضل للاقتصاد المصري يحتاج إلى تحليل دقيق من قبل الخبراء الذين يسلطون الضوء على تأثيرات كل خيار على التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي بشكل عام فالتوازن بين القوة والضعف يعد أمراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة في مصر.
أوضح خبراء الاقتصاد في تصريحات خاصة لـ”نبأ العرب” أن تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري يحمل آثارًا متنوعة على الاقتصاد الوطني، حيث يساهم في خفض معدلات التضخم وتكاليف الواردات، ولكنه قد يؤثر سلبًا على تنافسية الصادرات وجاذبية السياحة، حيث سجل الدولار ذروته في أبريل الماضي عندما تجاوز 51 جنيها، ليبدأ بعدها مسارًا هبوطيًا تدريجيًا حتى استقر حاليًا بين 47 و48 جنيها في معظم البنوك.
تأثيرات متباينة لتحركات سعر الصرف
أشار مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، إلى أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى ما دون مستوى 45 جنيها قد يكون له آثار متباينة على الاقتصاد المصري، حيث إن استمرار هذا الاتجاه ليس بالضرورة إيجابيًا في جميع الجوانب، فعادة ما تنتعش الصادرات عندما تكون العملة المحلية أضعف، مما يجعل المنتجات المصرية أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية، بينما يؤدي ارتفاع الجنيه إلى تقليل هذه الميزة، ومع ذلك، أظهرت بيانات ميزان المدفوعات ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 29% خلال العام المالي 2024-2025، حيث بلغ 51 مليار دولار مقابل 39.57 مليار دولار في العام السابق، بينما تستفيد الواردات من قوة الجنيه، مما ينعكس إيجابًا على معدلات التضخم ويخفف الضغط على الأسعار المحلية.
كما أضاف شفيع أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الواردات ما زالت تفوق الصادرات، مما يعني أن تحسين قيمة الجنيه قد يؤدي إلى تراجع جاذبية بعض القطاعات مثل التصدير العقاري والسياحة، حيث يصبح السائح أو المستثمر الأجنبي أقل قدرة على الشراء داخل مصر، مما قد يؤثر سلبًا على ميزان المدفوعات، خاصة مع تراجع موارد النقد الأجنبي مثل حصيلة التصدير وإيرادات السياحة، مما يقلل من الفوائد المحتملة لقوة الجنيه على المدى المتوسط.
تحركات مدروسة نحو الاستقرار
من جهة أخرى، قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن تراجع سعر الدولار إلى مستويات أقل من 45 جنيها لا يمكن النظر إليه بشكل أحادي، فله جوانب إيجابية وأخرى تحتاج إلى إدارة دقيقة، حيث تعني قوة الجنيه تحسنًا في القدرة الشرائية داخل السوق المحلية، خاصة للسلع المستوردة، مما يساعد على تهدئة معدلات التضخم، ولكن في الوقت نفسه، تتراجع تنافسية الصادرات المصرية، حيث يصبح المنتج المحلي أغلى نسبيًا في الأسواق الخارجية، وأكد النحاس أن الهدف هو الوصول إلى توازن في سعر الصرف يحافظ على استقرار الأسعار دون الإضرار بقدرة القطاعات التصديرية على النمو.
التحسن في الواردات والتضخم
وفي نفس السياق، أوضح محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل في شركة الأهلي للاستثمارات المالية، أن تأثير تغير سعر الصرف يختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبتها الاقتصادية، حيث تعتمد مصر بشكل كبير على إيرادات السياحة، وبالتالي فإن ارتفاع الدولار أمام الجنيه كان يمنح ميزة تنافسية للقطاع السياحي، مما يزيد من جاذبيتها للسائح الأجنبي، وعندما ينخفض الدولار كما هو الحال حاليًا، تقل هذه الجاذبية نسبيًا، ومع ذلك، فإن تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي، حيث تنخفض تكلفة استيراد السلع، مما يخفف مباشرة من معدلات التضخم.
أضاف نجلة أن ارتفاع الدولار خلال العامين الماضيين من مستويات العشرينات إلى نحو 50 جنيها كان له وجهان؛ حيث ساعد على تنشيط السياحة والصادرات نسبيًا، ولكنه في الوقت نفسه رفع تكلفة الواردات وزاد من معدلات التضخم، وأكد أن الوضع الحالي الذي يشهد تحسنًا للجنيه أمام الدولار يعد عاملاً إيجابيًا لميزان التجارة، حيث أن انخفاض أسعار السلع المستوردة سيؤدي إلى تراجع معدلات التضخم، مما يتماشى مع توجه الدولة نحو ضبط الأسعار وتحقيق استقرار نقدي ومالي، وأشار نجلة إلى أن التأثير السلبي الوحيد قد يكون محدودًا على قطاع السياحة، لكن المكاسب الناتجة عن السيطرة على التضخم وتحسين الوضع الاقتصادي العام تفوق بكثير هذه التأثيرات الطفيفة.
تعليقات